تجربة مريرة أتذكرها وكأنها حدثت البارحة إنها من حوالي 23 سنة مضت وذلك بعد أن ولدت ابني الثالث ومرت عشرة أيام بعد ولادته ومازال الجميع يباركون لي بولادتي بابني إلا أنه بعد أن مضت هذه العشر أيام تفاجأت بنزيف غير عادي حدث لي وكأن شلال من الدماء تسيل مني ولا أعرف السبب مما اضطرني للذهاب إلى المشفى لإجراء عملية وقف للنزيف الذي أصابني بين ذهول والدتي وزوجي وجميع من يهمهم أمري.
لقد كانت هذه التجربة صعبة جدًا لاسيما أنني قد ولدت قبل ذلك بولدين دون أن يحدث معي أي مضاعفات، من هنا كان موضوع النزيف بعد الولادة من المواضيع التي شدتني لأن أكتب عنه وعن أسبابه وأعراضه والطرق التي تحمي المرأة من حدوث هذا الأمر الخطير على صحة المرأة بالإضافة لبعض النصائح التي أريد أن أقدمها للمرأة التي ولدت حديثًا لحمايتها وعودتها خلال فترة النفاس إلى أولادها وبيتها وهي بكامل صحتها لتمارس حياتها دون أي مخاطر على صحتها فتعالي معي لنبحث في هذا الموضوع:
النزيف بعد الولادة
أخبرتني إحدى الطبيبات المتخصصات بالولادة والطب النسائي بأنه من الطبيعي أن يحدث نزيف مهبلي بعد الولادة، ولكن إذا كان نزيف ما بعد الولادة أكثر من الطبيعي فإنه يسمى نزيف ما بعد الولادة (PPH).
ويعتبر حدوث النزيف بعد الولادة من المضاعفات النادرة والخطيرة للغاية التي تحدث بعد الولادة حيث يبدأ نزيف بعد الولادة عادة بعد يوم واحد من الولادة ويمكن أن يستمر أحيانًا حتى 12 أسبوعًا بعد الولادة.
هل يعتبر نزيف بعد الولادة أمرًا طبيعيًا؟
تعاني حوالي من 5 إلى 10 نساء من كل 100 امرأة من مشكلة النزيف بعد الولادة.
ومن الطبيعي أن تفقد المرأة بعض الدم بعد الولادة حيث يعتبر المقدار الطبيعي للنزيف بعد الولادة الطبيعية هو حوالي 500 مل أما في الولادة القيصرية حوالي لتر واحد.
وإذا كان هناك نزيف بعد الولادة فسيكون نزيف الأم شديدًا وأكثر من الطبيعي مما قد يكون خطيرًا جدًا عليها حيث يسبب النزيف بعد الولادة انخفاضًا حادًا في ضغط الدم وإذا لم يتم علاجه بسرعة يمكن أن يؤدي إلى صدمة وفي النهاية وفاة الأم (تحدث الصدمة بسبب نقص إمداد الدم لأعضاء الجسم).
نزول الدم بعد الولادة الطبيعية:
خلال يوم إلى ثلاثة أيام بعد الولادة الطبيعية قد يتحول النزيف المهبلي إلى اللون الأحمر الفاتح أو الأحمر الداكن وقد تكون رائحته مثل نزيف الدورة الشهرية.
ولكن في بعض الأحيان يحتوي الدم بعد الولادة على عدد من الجلطات الدموية بحجم حبة العنب إلى أكبر منها بقليل.
وبين أربعة وسبعة أيام بعد الولادة الطبيعية يجب أن يكون الدم بعد الولادة ورديًا أو بنيًا ثم يحدث أن تتقلص جلطات الدم أو تختفي تمامًا.
في نهاية الأسبوع الأول بعد الولادة الطبيعية يجب أن تكون الإفرازات بيضاء أو صفراء ويجب أن يتوقف النزيف المهبلي بعد ثلاثة إلى ستة أسابيع من الولادة الطبيعية.
نزول الدم بعد الولادة القيصرية:
من المحتمل أن تكون كمية الدم بعد الولادة القيصرية أقل من الولادة الطبيعية حيث يكون هناك نزيف مهبلي بعد أسابيع قليلة من الولادة القيصرية، وسيتغير لون الدم بعد الولادة القيصرية من الأحمر إلى البني ثم الأصفر تمامًا مثل الولادة الطبيعية.
ما هي مكونات النزيف بعد الولادة؟
يُشبه النزيف بعد الولادة الدورة الشهرية حيث عادة ما يستمر من 4 إلى 6 أسابيع بعد الولادة وتشمل مكونات دم النزيف بعد الولادة ما يلي:
- نزول كمية من الدم غزيرة من المهبل.
- نزول قطع أو جلطات دموية من بطانة الرحم بحجم كبير.
- في الأسابيع والأيام الأولى التي تلي الولادة يكون هناك دم غزير ثم ما يلبث أن تخف غزارته حتى يصبح كالمخاط، ولكن إن لم يتوقف وكان غريرًا في كل الأيام فهنا لا بد من مراجعة المشفى لمعرفة السبب الكامن وراء عدم توقف الدم.
كما تشمل أعراض النزيف بعد الولادة:
- عدم توقف نزول الدم الغزير.
- إصابة المرأة بحمى فوق 38 درجة.
- انخفاض في ضغط الدم أو حدوث أعراض الصدمة كزيادة معدل ضربات القلب وعدم وضوح الرؤية مع الشعور بالقشعريرة والضعف العام والشعور بالنعاس والدوخة وقد يصل انخفاض ضغط الدم إلى خطر الإغماء.
- الشعور بالغثيان والقيء.
- شحوب لون البشرة وميلها للون الأصفر.
- تورم في منطقة المهبل مع وجود ألم في المنطقة التناسلية.
أسباب النزيف بعد الولادة
النزيف أو نزول الدم بعد الولادة هو من الأعراض الطبيعية التي تحدث للمرأة بعد ولادتها سواء كانت هذه الولادة طبيعية أو قيصرية ولا يمكن أن نعتبره حالة مرضية وخاصة إن كان في حدود حجم وكمية الدم النازل أثناء الدورة الشهرية إلا أنه إذا تعدى هذه الكمية وتجاوزها فهو هنا حالة مرضية تستوجب سرعة علاجها لأنها تهدد حياة الأم.
هناك العديد من العوامل التي تزيد من خطر حدوث النزيف بعد الولادة:
السبب الأكثر شيوعًا للنزيف بعد الولادة الحاد هو (ونى الرحم):
أو ما يسمى فقدان قدرة الرحم على الانقباض: لأنه أثناء فترة الحمل تنمو المشيمة التي تربط الأم بالجنين داخل الرحم والتي تزود الحبل السري بالعناصر الغذائية والأكسجين الضروريان لنمو الجنين، ولكن بعد الولادة يتقلص الرحم بشكل طبيعي لإزالة هذه المشيمة ولكن عندما تكون انقباضات الرحم ضعيفة فالأوعية الدموية في الرحم لا تعمل بشكل صحيح وتصبح غير قادرة على الانقباض وتعزيز الارتقاء (وهو مرحلة ما بعد الولادة) لتعود هذه الأوعية إلى طبيعتها مما يسبب حدوث النزيف.
كما يمكن تفسير (ونى الرحم) بشكل أوسع بأنه ضعف في عضلات الرحم مما يسبب انخفاض في الانقباضات مما يُعرض المرأة لخطر النزيف بعد الولادة وخاصة للمرأة التي تحمل بتوأم أو المرأة بعمر أقل من 20 وأكثر من 40 عامًا أو بسبب زيادة وزن الحامل أو أنها عانت من قبل من هذه المشكلة في ولادة سابقة.
انقلاب الرحم:
حيث ينقلب الرحم بعد الولادة وهذه الحالة قليلة الحدوث ولكنها تسبب في حدوث النزيف بعد الولادة والطبيب المشرف على الولادة يُعالج هذه الحالة بدفع الرحم للخلف ليأخذ وضعه الأساسي والطبيعي وذلك عن طريق عنق الرحم.
حدوث أورام دموية في المسالك التناسلية:
نتيجة لحدوث نزيف داخل الأنسجة متجمع ومتكتل ولا يخرج مما يسبب حدوث تكتلات دموية تسبب في الألم أثناء التبول ولكن نتيجة الضغط تنفجر هذه التكتلات وتُحدث نزيفًا يجب على الطبيب معالجته فورًا.
حدوث تهتك أو تمزق في عنق الرحم أو المهبل:
إن حدوث تمزق في عنق الرحم أثناء عملية الولادة مما ينتج نزيفًا شديدًا وهذا قد يحدث نتيجة كبر حجم الجنين أو بسبب مرور الجنين بسرعة من قناة الولادة أو بسبب استخدام الطبيب أثناء عملية الولادة للملاقط أو (أنبوب زجاجي) للمساعدة على الولادة وتتم معالجة هذا النزيف من قبل الطبيب المشرف على الولادة مباشرة.
تمزق للرحم:
أيضًا هي من الحالات القليلة بنسبة امرأة لـ 1500 وفي هذه الحالة يجب التدخل الجراحي من أجل إخراج الجنين ومعالجة حالة التمزق في الرحم وفي بعض الأحيان يضطر الطبيب لاستئصال الرحم حفاظًا على حياة الأم ولوقف النزيف.
وجود المشيمة داخل الرحم لأكثر من نصف ساعة والمسمى بالمشيمة المحتبسة:
حيث تسبب المشيمة المحتبسة داخل الرحم وعدم خروجها فورًا بعد الولادة تضخم في الرحم وحدوث نزيف لذلك يجب على الطبيب التأكد من خروج المشيمة بشكل كامل بعد ولادة الجنين لمنع أي مضاعفات أو مخاطر على الأم.
تشمل العوامل الأخرى التي تزيد من خطر الإصابة بالنزيف بعد الولادة ما يلي:
- إذا كان لدى المرأة تاريخ من النزيف المهبلي بعد الولادة فمن المرجح أن تعاني من نزيف حاد بعد الولادة.
- الولادات المتعددة تسبب نزيفًا بعد الولادة.
- كبر حجم الجنين.
- العمل لفترات طويلة أثناء فترة الحمل أو ممارسة النشاط البدني والشاق بعد الولادة فورًا.
- الولادة القيصرية: حيث يعتبر خطر حدوث النزيف بعد الولادة أثناء العملية القيصرية أعلى منه في الولادة الطبيعية إضافة إلى أن التخدير العام أثناء إجراء العملية القيصرية يزيد من خطر حدوث النزيف بعد الولادة لذلك يسعى الكثير من الأطباء لاستخدام التخدير الموضعي لتجنب أي مخاطر على الأم.
- تناول الحامل أثناء الولادة (الأوكسيتوسين) وهو دواء يستخدم لتعزيز وتحفيز الولادة الطبيعية وزيادة انقباضات الرحم حيث يمكن أن يزيد من خطر حدوث النزيف بعد الولادة.
- التسمم الحملي: تعتبر الزيادة في ضغط الدم والبروتين البولي لدى النساء أثناء الحمل لإصابة الحامل بما يسمى تسمم الحمل وهو عامل خطر آخر لحدوث النزيف بعد الولادة.
- السمنة المفرطة لدى الحامل لها دور كبير في حدوث النزيف.
- ممارسة الرياضة الشاقة في فترة الحمل.
- الضغط على الأعضاء التناسلية أثناء التبول والتغوط.
- الرضاعة الطبيعية يؤدي إلى إفراز الأوكسيتوسين مما يزيد من انقباضات الرحم التي ترتبط به.
طرق الحماية من النزيف بعد الولادة
تعتبر فترة النفاس من الفترات الأكثر أهمية للمرأة بعد الولادة لأن المرأة في هذه الفترة تتعرض للكثير من التغييرات في جسمها وفي هرموناتها إضافة للتغييرات النفسية والتي تتطلب منها العناية بنفسها حتى تمر هذه المرحلة دون أي مخاطر أو مضاعفات.
إذا استبعدنا حدوث نزيف بعد الولادة بسبب ما ذكرناه أعلاه من حالات فيجب على المرأة خلال فترة النفاس أن تعتني بنفسها ومساعدة المقربين منها حتى لا تتعرض للنزيف بعد الولادة من خلال:
- تختلف مدة النفاس بين امرأة وأخرى حسب طبيعة جسمها وتحملها لآلام الولادة لذلك يجب على المرأة في هذه الفترة عدم القيام بأي مجهود جسماني (كالقيام بأعمال المنزل أو ممارسة الرياضة أو الوقوف لفترات طويلة) وذلك لفترة من أسبوع إلى أسبوعين حتى يعود الرحم لحالته الطبيعية وتعود الطاقة والنشاط للمرأة وتصبح قادرة على القيام ببعض الأعمال دون غيرها وهذا إنما يستوجب أن يكون بجانبها بعض الأقارب لمساعدتها خلال هذه الفترة.
- الانتباه للنظام الغذائي الذي تتناوله المرأة بعد الولادة ليستعيد جسمها كامل العناصر الغذائية التي فقدتها خلال فترة الحمل وأثناء عملية الولادة ونزول الدم منها وذلك من خلال اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن وغني بالفيتامينات والمعادن الضرورية مع ضرورة استشارة الطبيب ليصف لها المكملات الغذائية الهامة لهذه الفترة.
- لا تهملي شرب الماء ليبقى جسمك رطبًا.
- لا تتسرع المرأة خلال فترة النفاس بالعودة لممارسة الرياضة وخاصة الشاقة منها، حيث يمكنك العودة لممارسة الرياضة بالتدريج بعد 4 إلى 6 أسابيع من الولادة خوفًا من حدوث أي نزيف بعد الولادة.
- النوم الجيد له دور كبير في عودة الجسم لحالته الطبيعية وحصوله على قدر كافي من الراحة خلال هذه الفترة.
- من خلال هذه النصائح سيعود جسمك لحالته الطبيعية بالتدريج وتُبعدي خطر نزيف بعد الولادة عنك واجتياز هذه الفترة بسلام ودون حدوث مشاكل.
أخيرًا ….
التكيف مع ظروف ما بعد الولادة: فالولادة هي مرحلة حساسة ومهمة في حياة المرأة لذا فإن الأمر يتطلب من الأمهات قبول التغيرات الجسدية والنفسية بعد الولادة.
إضافة إلى أن الأمهات يحتجن بعد الولادة إلى السماح لأنفسهن بالتكيف مع الظروف الجديدة ووجود طفل انضم للعائلة.
لذلك إذا كانت الأم ما زالت لا تشعر بالراحة الجسدية والنفسية لبعض الوقت بعد الولادة فعليها استشارة الطبيب لتشخيص حالتها ووصف العلاج اللازم لكل حالة على حدى.
المصدر:
هل نزيف ما بعد الولادة طبيعي؟ – موقع mom
كل ما تحتاج لمعرفته حول نزيف ما بعد الولادة ، المعروف أيضًا باسم Lochia – موقع naturalwomanhood