لقد انتهى حديثنا بصمت، هو لم يتفوه بأي كلمة وأنا لا أدري ماذا أفعل؟؟ لقد كان كثير الكلام وفجأة اختفى ولم أسمع عنه شيء، ثم عاد معتذرًا!!! لقد نفذ الحديث بيني وبينه ماذا أفعل؟؟
عزيزتي، جميعنا نبحث عن الصدق في زمن عاث فسادًا بالكاذبين، نبحث عن الإخلاص في زمن الخيانة، عن المحبة في زمن الكراهية، عن الوفاء في زمن الغدر. فأين لنا من زمن عابث لاهي، حثّ المتسولين من الناس على نشر الأذية والظلم.
ما وراء صمت الرجال، وحكمة الصمت بمفهومهم، وأسباب لجوئهم للصمت، كل ذلك في هذا المقال، تابعي معنا.
صمت الرجال
أكمل سلسلتي وما زلتُ في طور البلوغ بكلماتي التي أرددها على مسامعكن أيتها النساء لتبقين حاضرات ومتأهبات لأفعال الرجال في حقكن.
أكتب لأجعلكن ترين الحقيقة، تنصتن للصواب، تتصالحن مع ذواتكن، وتمتلكن كرامتكن وصبركن، فكلماتي القادمة بحاجة لعين بصيرة، وعزيمة كبيرة، وإرادة حاضرة.
ما وراء صمت الرجال
ذكرت أحلام مستغانمي في كتابها “النسيان” مقالًا واضحًا عن صمت الرجال، وقد أثار فضولي حقًا، فتحليلها المتقن لفن صمت الرجل، دفعني لأكتب مقالة تخص فعل الصمت، فلطالما تردد على مسامعنا “إذا كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب”، ولكن هل ينطبق هذا الكلام على الرجال، وخاصةً أولئك الذين يستعينون به لإيقاع الفتيات. هيا بنا نقرأ مقتطفات من ما ذُكر على لسان مستغانمي، بعنوان: “ذلك الصمت الآثم للرجال”
إن كان سلاح المرأة دموعها، أو هكذا يقول الرجال، الذين ما استطاعوا الدفاع عن أنفسهم بمجاراتها في البكاء. فقد عثر الرجل على سلاح ليس ضمن ترسانة المرأة، ولا تعرف كيف تواجهه، لأنّها ليست مهيّأة له في تكوينها النفسي. لذا، عندما يشهره الرجل في وجهها يتلخبط جهاز الالتقاط لديها ويتعطّل رادارها. إنّها تصاب بعمى الأنوثة أمام الضوء الساطع لرجل اختار أن يقف في عتمة الصمت.
لا امرأة تستطيع تفسير صمت رجل، ولا الجزم بأنّها تعرف تمامًا محتوى الرسالة التي أراد إيصالها إليها، خاصة إن كانت تحبّه. فالحبّ عمىً آخر في حدّ ذاته. (أمّا عندما تكفّ عن حبّه، فلا صمته ولا كلامه يعنيانها، وهنا قد يخطئ الرجل في مواصلة إشهار سلاحه خارج ساحة المعركة، على امرأة هو نفسه ما عاد موجوداً في مجال رؤيتها!) كما أنّ بعض من يعاني ازدواجيّة المشاعر يغدو الصمت عنده سوطًا يريد به جلدك، فيجلد به نفسه.
تكمن قوة الصمت الرجالي في كونه سلاحًا تضليليًا. إنه حالة التباس، كتلك البذلة المرقطة التي يرتديها الجنود كي يتسنّى لهم التلاشي في أيّ ساحة للقتال. إنّهم يأخذون لون أيّ فضاء يتحرّكون فيه.
إنّه صمت الحرباء.. لو كان للحرباء صوت. تقف أمامه المرأة حائرة، تتناوب على ذهنها احتمالات تفسيره بحكم خدعة الصمت المتدرّج في ألوانه من إحساس إلى نقيضه.
صمت العشق.. صمت التحدي.. صمت الألم.. صمت الكرامة.. صمت الإهانة.. صمت اللامبالاة.. صمت التشفي.. صمت من شفي.. صمت الداء العشقي.. صمت من يريد أن يبقيك مريضًا به.. صمت من يثق بأنّه وحده يملك دواءك.. صمت من يراهن على أنّك أوّل من سيكسر الصمت.. صمت من يريد كسرك.. صمت عاشقين أحبّ بعضهما بعضًا حدّ الانكسار.. صمت الانتقام.. صمت المكر.. صمت الكيد.. صمت الهجر.. صمت الخذلان.. صمت النسيان.. صمت الحزن الأكبر من كلّ الأحزان.. صمت التعالي.. صمت من خانك.. صمت من يعتقد أنّك خنته ويريد قتلك بصمته.. صمت من يعتقد أنّك ستتخلّين عنه يومًا فيتركك لعراء الصمت.. الصمت الوقائي.. الصمت الجنائي.. الصمت العاصف.. والصمت السابق للعاصفة.. صمت الانصهار وصمت الإعصار.. الصمت كموت سريري الحبّ.. والصمت كسرير آخر للحبّ ينصهر فيه عاشقان حتى الموت.. الصمت الذي ليس بعده شيء.. والصمت الذي ينقذ ذلك «الشيء» ومنه تولد الأشياء مجدّدًا جميلة ونقيّة وأبديّة بعد أن طهّرها الصمت من شوائب الحبّ.
الصمت اختبار. طوبى لمن نجح فيه مهما طال. إنّه يفوز إذن بالتاج الأبدي للحبّ.. أو بإكليل الحريّة.
مراحل الانسحاب عند الرجال واللجوء إلى حكمة الصمت
الرجل بطبعه حاد، ويميل للإسراف في أنانيته ورجوليته في سبيل جذب انتباهك وجعلك من غنائمه. بنظره امتلاكه لامرأة جديدة أيًا كانت، انتصارٌ على ذاته وعلى غيره من الرجال، خاصةً إن تقدم في السن.
هذا العمر الذي يعلن فيه عدّاد الزمن انقلاب المؤشر البياني، وبدء العد العكسي، فيصبح الرجل في حيرة من أمره، هل أنا حقًا هرمت، هل أنا غير مرغوب، لم الشيب كسى رأسي؟؟؟؟ أسئلةٌ كثيرة تحتاج إلى إثبات العكس فورًا، وما أروع أن يتم ذلك من خلال امرأة شابة يافعة ناضجة جميلة، تعيد الشباب لكيانه، تحيي قلبه من جديد، وتبث في عروقه مهجًا نقية.
- هنا يبدأ الرجل بتغيير أفعاله علّه يكسب نقاطًا إضافية لإثبات نفسه أمامك، هو يتخذك وسيلة فقط. فيبدأ بإبهارك ببطولاته وأفعاله، وحكمته، وحنانه، وكرمه وعطفه، وشجاعته ووووو…….. الخ.
- إلى أن تقعي في حبه، وتبدئي برد الجميل ذاك، كإشباعه بالكلام المعسول، والاهتمام المبذول، والحنان الفائق، والفخر اللائق.
- أنتِ هنا في شباكه، لقد نال منك، وضمن بقائك. عندها تبدأ الفلترة الداخلية لأفعاله عبر ترجمة كل شيء قاله وقام به.
- مرحلة المواجهة، أنتِ الآن في حيرة من أمرك، فقط طال الانتظار، وهام الحب، وتقطعت السبل، فأين لك من أفكارك التي حيّرها وغيّرها وحوّرها وعدّلها بكلماته المضبوطة، وهو ما يزال يرفض التقدم بأي خطوة أخرى، لتوطيد العلاقة، أو ربطها حتى.
- فتبدأ الأسئلة لديكِ، ما نهاية علاقتنا تلك، ما فحواها، ما معناها؟ إلى أين؟ إلى متى؟؟؟؟
- مرحلة الصمت، أو كما أسميها مرحلة الهروب، يلجأ للصمت وعدم البوح بأي كلمة، لأنه عاجزٌ عن تبرير فعله، عن تفسير أنانيته، عن تنميق غدره.
- مرحلة الدهشة، هنا تتأكدين أنكِ مجرد رقم في حياته، وأنه أتم مهمة إثبات نفسه ورجوليته من خلالك.
سؤالٌ يطرح نفسه، هل جميع الرجال هكذا؟ أي يتخذون الصمت وسيلة للهرب؟
عزيزتي حواء ليس بيديّ عصًّا سحرية حتى أقرأ نوايا الرجال الداخلية، فلكل واحدٍ منهم طريقة مستقلة في التفكير، فبعض الرجال لا تملك الجرأة الكافية لمواجهتك، (ملاحظة: بعض الرجال لديهم حياء كبير)، لذلك تجديه صامتًا، وبعضهم الآخر وجد فيك المرأة القوية والمسيطرة والتي لا يمكن امتلاكها بسهولة فيخشى الاقتراب.
لكن مهما كان معنى صمته والرسالة التي يرغب في توجيهها، ستكون حتمًا رسالةً مشوهة، وثقي تمامًا أن الرجل مهما بلغ من الكِبر أو الرفعة أو الحياء، لن يقف مكتوف الأيدي وصامتًا أمام المرأة التي أحب.
تعلمي منه، وحاوريه بلغته تلك، وإياكِ ثم إياكِ أن تتنطعي الحب مع رجلًا اختار الصمت سبيلًا لراحته.
هل صمت الرجل متشابه في كل الحالات؟
على حسب ما ورد من آراء بعض السيدات حول مفهوم الصمت، فبعضهن وجد بعدم رده عن سؤال ما صمت. وبعضهن الأخر وجده اختفاء، والأخريات وجدنهن عدم اهتمام.
يجبُ عزيزاتي أن نفرق بين صمت الرجل عندما يكون زوجًا أو أخًا أو خطيبًا أو أبًا أو ابنًا، وصمته عندما يكون في علاقة مع أنثى لم تربطهم بعد أي رابطة حقيقية. دعيني أوضح أكثر:
صمت الزوج:
عند طرح بعض الأسئلة أو عند مطالبته ببعض الأشياء قد يكون رد فعله ذاك (أي الصمت) بسبب معاناته من ضائقةٍ مالية، أو بسبب خلاف مع مديره بالعمل أو زميله في الدراسة. لذلك عندما يعود للمنزل لن يرغب بالتحدث وسيتخذ الصمت حلًا له ولراحته.
فبعض الرجال تجترع ألمها بنفسها ولا تُفصح عنه ابدًا من بابين، الأول: الخوف على أسرته والثاني: على كرامته التي لا يرضى بأن تضام.
وتصديقًا على قولي هناك دعاء يتم ترديده كثيرًا “اللهم اعوذ بك من قهر الرجال”. فانكسار الرجل لأي سبب كان سيؤدي لخدش كيانه وانخراطه في دوامة اللاوجود.
قد يهمكِ أيضًا: المشاكل الزوجية في بداية الزواج أسباب عديدة يمكن حلها
صمت الأخ:
قد يكون رد فعلٍ تُجاه أمرٍ ارتكبته ويريد أن يؤدبك أو مثلًا لأنه لا يستطيع أن يفرض رأيًا عليكِ بوجود والدكما.
صمت الأب:
هنا الصمت الموجع، فالأب بعظمته وكبره، سيكون حزينًا صامتًا في حال آذيته بفعلٍ ما، أو بكلمةٍ ما، فالأب والأم أعظم هدية قدمتا إلينا نحن البشر، بوجودهم نتقرب من الله، وبرضاهم نتجلى ببركة الله، وبمحبتهم تلك نثبت للعالم أننا مازلنا أحياء.
إياكِ أن تنسي الحديث القدسي الذي ذكره نبينا الكريم، محمد صل الله عليه وسلم، حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أنه قال وهو يسأل النبي – صلى الله عليه وسلم: “أي العمل أحب إلى الله، قال الصلاة على وقتها. قلت ثم أي، قال: بر الوالدين. قلت ثم أي، قال: الجهاد في سبيل الله”.
أقوال عن الصمت
- في النهاية لن نذكر كلمات أعدائنا، بل صمت أصدقائنا – مارتن لوثر كينغ
- يحتاج الإنسان إلى سنتين ليتعلم الكلام وخمسين سنة ليتعلم الصمت – إرنست همنغواي
- الصمت.. هو النص الذي يسهل إساءة فهمه.
- المصيبة ليس في ظلم الأشرار بل في صمت الاخيار.
- الاحتراق في صمت لا يحتمل.
- نحن الذين نجيء في صمت ونمضي في سكون نحن الحيارى الصامتون نحن الخريف المر نحن المتعبون.
في النهاية …
حاذري من صمت الرجل، فهو أحد الأمرين، خيرٌ فيه شر أو شرٌ فيه خير، حصّني نفسك من أساليبه، ولا تحكمي على صمته قبل قراءته جيدًا ومعرفة بواطن أفعاله.
اقرأي أيضًا:
- سلسلة حقائق وغرائب الرجال … الرجل الشرقي، ما له وما عليه
- سلسلة حقائق وغرائب الرجال … كيد الرجال
- سلسلة حقائق وغرائب الرجال … الكذب ملح الرجال
المصادر: