إن من أشهر الروايات والقصص التي ألفها الأديب جبران خليل جبران، الأجنحة المتكسرة التي كتبت باللغة العربية، وصدرت في عام 1912م عن دار إحياء العلوم للنشر، وتتضمن الرواية 95 صفحة غنيّة بالتعابير والأحداث، تحدث فيها عن الحب العذري النقي الذي اصطدم بجدار النهاية منذ بدايته.
كان أسلوب الشاعر في كتابة الأجنحة المتكسرة يتسم بالبساطة والوضوح، ليتمكن من إيصال مشاعره للقارئ، واستخدم فيها مشاعر الحزن والتشاؤم السوداوي، إضافة إلى رسم صورة رائعة للقلب البشري وتقلباته. لذا تابعي معنا قراءة هذا المقال لتقرئي فيه أجمل ما كتب جبران خليل جبران (الأجنحة المتكسرة، مقتطفات)، وكيف استعرض في هذه الرواية جمال اللغة الممتلئة بالمشاعر.
نبذة عن حياة جبران خليل جبران
نشأته ودراسته:
ولد جبران خليل جبران لعائلة مسيحية مارونية سنة 1838م، أصوله دمشقية، ولكن نزح أحد أجداده إلى بعلبك، ثم إلى قرية بشعلان في لبنان ثم إلى قرية بشري التي ولد فيها جبران.
والدته هي كاميليا رحمة، ووالده هو خليل جبران ولكنه كان سيئ السمعة مدمنًا على الكحول والمقامرة، مما أدى إلى ارتكابه جرم الاختلاس لسداد ديونه، فتم القبض عليه وأودع في السجن، وتمت مصادرة أملاكه لدفع المستحقات المالية المترتبة عليه، وهذا ما دفع والدة جبران لأخذها قرار الهجرة إلى الولايات المتحدة الأميركية برفقة أبناءها جبران وبطرس وماريانا وسلطانة، وبسبب استهتار الوالد وقلة حيلة الأم لم يحظى جبران بتعليم جيد في صغره فكانت الأم عاجزة عن سداد أقساط المدرسة، إلا أن هذا لا يعني أن جبران كان أميًا، فقد كان كاهن القرية يقوم بتعليمه القراءة باللغة العربية إلى جانب تعاليم الإنجيل، كما ساهم الشاعر سليمان الظاهر في تحسين مستوى جبران بالقراءة، ولكن أول تعليم أكاديمي حظي به جبران كان في مدرسة مخصصة للمهاجرين في ولاية بوسطن الأميركية، حيث استقر هناك مع أسرته بعد الهجرة. اكتشف معلموه حينها موهبته البارزة في الرسم، فألحقوه بمدرسة فنية تحت إشراف المعلمة جيسي بيل.
ديانة الشاعر جبران خليل جبران:
كان جبران يدين بالمسيحية، واتهمه البعض بالإساءة للإسلام ومعاداة قيمه، إلا أنه أكد في الكثير من كتاباته أنه يكن للإسلام كل الاحترام كدين وحضارة، وأنه يتمنى لو يعود مجد الإسلام الحضاري للوطن العربي من جديد، ولكنه أوضح في الوقت عينه أنه ضد مبدأ تدخل الدين في السياسة مسيحيًا كان أم مسلمًا، وهذا يتضح جليًا من خلال كتاباته الأدبية.
حياة جبران خليل جبران العاطفية:
حياته العاطفية لم تكن عاصفة، فلم يعرف عنه بعلاقاته بالنساء سوى علاقته بالأديبة الفلسطينية مي زيادة، التي كانت تقيم في القاهرة، وكان حبًا عذريًا بكل ما للكلمة من معنى، فهما لم يلتقيا طيلة حياتهما، وتعارفا وتبادلا عبارات العشق بالمراسلة فقط.
استمرت المراسلات طوال عشرين عامًا، فلم تنقطع إلا بوفاة جبران، ورفضت مي زيادة كل عروض الزواج لتلحق به بعد عشر سنوات من وفاته.
بعضًا من إنجازات الشاعر جبران خليل جبران:
لقد قام جبران بتأسيس الرابطة القلمية هو وزملائه ميخائيل نعيمة، ونسيب عريضة، وعبد المسيح حداد، فقد كان لهم دورًا رائدًا في تجديد الأدب العربي، وحمايته من الاندثار.
كتب جبران أغلب مؤلفاته باللغة العربية، لكنه صاغ أيضًا بعض الدواوين الشعرية بالإنكليزية، ثم تمت ترجمتها إلى العربية في وقت لاحق.
ومن أعماله العربية نذكر: عرائس المروج، الكواكب، الأرواح المتمردة، والأجنحة المتكسرة، ومن أعماله بالإنكليزية نذكر منها: يسوع ابن الإنسان، ورمل وزبد، وكتاب النبي الذي يعتبر أشهر أعماله.
كان جبران يعتبر الكلمة سلاح يضاهي القذائف، لذلك حاول تسخيرها بكل ما أوتي من موهبة لإنتاج أدبي مليء بالحكمة والأفكار التي تعمد على تغيير البشرية نحو الأفضل، وخلاص دولته من حكم الدولة العثمانية.
تكريم الشاعر جبران خليل جبران:
حظي جبران خلال حياته بالاحترام والتقدير، لكن لم يكرم تكريمًا لائقًا إلا بعد وفاته، فقد تمت إقامة نصب تذكاري له في العاصمة الأميركية واشنطن، كما أقاموا له تمثال آخر في مدينة بيلوهوريزونتي البرازيلية، كما قام بلده الأم بإنشاء متحف خاص به سمي باسمه، ناهيك عن ترجمة أعماله وتداولها في مختلف أصقاع الأرض.
وفاة الشاعر جبران خليل جبران:
توفي جبران خليل جبران في سنٍ مبكرة، عن عمر يناهز 48 عامًا، وذلك في العاشر من أبريل عام 1931م، بعد إصابته بمرضي السل والتليف الكبدي، فارق الحياة في مدينة نيويورك بعد أن أوصى بدفنه في موطنه الأم، وبالفعل تم تحقيق وصيته بعد عام من وفاته، ونقلت رفاته إلى لبنان ودفن هناك، وتم تحويل المكان إلى متحف خاص أطلق عليه اسم متحف جبران خليل جبران.
ملخص رواية الأجنحة المتكسرة
هي قصة حب جبران خليل جبران وسلمى كرامة عندما كان في عمر الثامنة عشر، قصة كتبت بكثير وكثير من الدمع والغصص، ملخصها أن صديق لوالد جبران أيام صباه يدعى فارس كرامة قد فرقت بينهما الأيام والحوادث، وبعد مضي ردح من الزمن تعرف جبران صدفة على فارس كرامة صديق والده. كان فارس كرامة رجل غني المال وغني النفس أيضًا، فهو كريم الطبع ودود المعشر، سُر فارس كرامة بلقاء ابن صديقه المقرب، فدعاه إلى منزله الفسيح الجاثم بين الحقول والأزهار، وهناك التقى جبران بسلمى كرامة، الفتاة التي أحبها من أول وهلةٍ رآها فيها، وأحبته هي الأخرى بدورها، شاءت الأقدار أن يتقدم مطران لخطبة سلمى لابن أخيه، وكان ابن أخيه منصور بيك شجعًا سيئ الخلق وزير نساء، وقد وافق فارس على تزويج ابنته مجبرًا غير بطل، وامتثلت ابنته لرأي أبيها رغم حبها الكبير لجبران وحبه لها.
زفت العروس لبيت زوجها وظل والدها وحيدًا يصارع الوحدة والمرض في بيتٍ ناءٍ، وذات مرة بلغ مسامع جبران أن فارس كرامة قد بلغ به المرض أشده، فذهب لعيادته، وهناك التقى بسلمى كرامة تبكي أبيها وحظها، وتبكي جبران خليل جبران، مكث جبران يواسي سلمى ويخفف عن والدها، إلا أن الموت لم يمهلهم طويلًا، وما إن طلع صباح اليوم التالي حتى أسلم فارس كرامة روحه إلى بارئها، وظل للرمق الأخير يوصي جبران بسلمى خيرًا.
تعاهد جبران وسلمى على الالتقاء مرة واحدة كل شهر في معبد عتيق يواسي بعضهما البعض، ويطمئنا عن أحوال بعضهما، ويفيضا كثيرًا بالشوق والألم، دافع جبران عن لقاءاته مع سلمى وبرأها من تهمة الخيانة، لكن خوف سلمى على جبران من بطش زوجها وأتباعه جعلها تقرر أن تودع جبران في المعبد لآخر مرة، وأن لا يلتقيا مجددًا.
مضت الأيام وتلاحقت السنوات، وبعد مضي خمسة أعوام حملت سلمى بمولودها الأول، ولما حان موعد المخاض أنجبت سلمى مع ساعات الليل الأولى، وما إن شق فجر اليوم التالي حتى أسلم المولود روحه إلى بارئها، ومن شدة تأثر سلمى وآلامها لحقت بمولودها هي الأخرى، دفنت سلمى ودفن معها وليدها في قبر والدها، وجُمِع الثلاثة في قبر واحد، وجمع معهم قلب جبران خليل جبران الذي ظل بعدهم متعذبًا بذكرياته، عدوه اللدود ذاكرته والأشواق الحارة التي تخامر قلبه، وهي ذاتها ما أوحت له بكتابة رائعته (الأجنحة المتكسرة) بعد عشر سنوات من وفاة سلمى كرامة.
قد يهمك أيضًا: روايات أثير عبد الله النشمي القلم الشاب المبدع
جبران خليل جبران الأجنحة المتكسرة (مقتطفات)
فيما يلي أجمل المقتطفات من كتاب الأجنحة المتكسرة للشاعر العملاق جبران خليل جبران:
- كنت في الثامنة عشرة من عمري عندما فتح الحب عينيَّ بأشعته السحرية، ولمس نفسي لأول مرة بأصابعه النارية، وكانت سلمى كرامة المرأة الأولى التي أيقظت روحي لمحاسنها، ومشت أمامي إلى جنة العواطف العلوية حيث تمر الأيام كالأحلام وتنقضي الليالي كالأعراس، سلمى كرامة هي التي علمتني عبادة الجمال بجمالها، وأرتني خفايا الحب بانعطافها، وهي التي أنشدت على مسمعي أول بيت من قصيدة الحياة المعنوية.
- ما أجهل الناس الذين يتوهمون أن المحبة تتولد بالمعاشرة الطويلة والمرافقة المستمرة، إن المحبة الحقيقية هي ابنة التفاهم الروحي وإن لم يتم هذا التفاهم الروحي بلحظة واحدة لا يتم بعام ولا بجيل كامل.
- إن للجمال لغة سماوية تترفّع عن الأصوات والمقاطع التي تحدثها الشفاه والألسنة، لغة خالدة تضم إليها جميع أنغام البشر تجعلها شعوراً صامتاً مثلما تجتذب البحيرة الهادئة أغاني السواقي إلى أعماقها وتجعلها سكوتاً ابدياًّ.
- ومرت دقائق وكلانا صامت مفكّر يترقب الآخر ليبدأ بالكلام، ولكن هل هو الكلام الذي يحدث التفاهم بين الأرواح المتحابة؟ هل هي الأصوات والمقاطع الخارجة من الشفاه والألسنة التي تقرّب بين القلوب والعقول؟ أفلا يوجد شيء أسمى مما تلده الأفواه وأطهر مما تهتز به اوتار الحناجر؟ أليست هي السكينة التي تفصلنا عن ذواتنا فنسبح في فضاء الروح غير المحدود، مقتربين من الملأ الأعلى، شاعرين بأن أجسادنا لا تفوق السجون الضيقة، وهذا العالم لا يمتاز عن المنفى البعيد؟
- إن الكتاب والشعراء يحاولون إدراك حقيقة المرأة ولكنهم للآن لم يفهموا أسرار قلبها ومخبآت صدرها لأنهم ينظرون إليها من وراء نقاب الشهوات فلا يرون غير خطوط جسدها أو يضعونها تحت مكبرات الكره فلا يجدون فيها غير الضعف والاستسلام.
كتب أيضًا:
- المحبة هي الحرية الوحيدة في هذا العالم لأنها ترفع النفس إلى مقام سام لا تبلغه شرائع البشر وتقاليدهم، ولا تسود عليه نواميس الطبيعة وأحكامها.
- يقولون إن الغباوة مهد الخلود والخلود مرقد الراحة، وقد يكون ذلك صحيحاً عند الذين يولدون أمواتاً ويعيشون كالأجساد الهامدة الباردة فوق التراب، ولكن إذا كانت الغباوة العمياء قاطنة في جوار العواطف المستيقظة تكون الغباوة أقصى من الهاوية وأمر من الموت.
- إن النفس الحزينة المتألمة تجد راحة بانضمامها إلى نفس أخرى تماثلها بالشعور وتشاركها بالإحساس مثلما يستأنس الغريب بالغريب في أرض بعيدة عن وطنيهما، فالقلوب التي تدنيها أوجاع الكآبة بعضها مع بعض لا تفرقها بهجة الأفراح وبهرجتها، فرابطة الحزن أقوى في النفوس من روابط الغبطة والسرور، والحب الذي تغسله العيون بدموعها يظل طاهرًا وجميلًا وخالدًا.
- غداً يسير بك القدر إلى أحضان العائلة المملوءة بالراحة والهدوء، ويسير بي إلى ساحة العالم حيث الجهاد والقتال، أنت إلى منزل يسعد بجمالك وطهر نفسك، وأنا إلى مكامن أيام تعذبني بأحزانها وتخيفني بأشباحها، أنت إلى الحياة وأنا إلى النزاع، أنت إلى الأنس والألفة وأنا إلى الوحشة والانفراد.
- إن اللذين لم يهبهم الحب أجنحة لا يستطيعون أن يطيروا إلى ما وراء الغيوم ليروا ذلك العالم السحري الذي طافت فيه روحي.
- أنا لا أحب هذا الرجل لأنني أجهله وأنت تعلم أن المحبة والجهالة لا تلتقيان.
- كل شيء عظيم وجميل في هذا العالم يتولّد من فكر واحد أو من حاسة واحدة في داخل الانسان، كلّ ما نراه اليوم من أعمال الأجيال الغابرة كان قبل ظهوره فكرًا خفيّاً في عاقلة رجل أو عاطفة لطيفة في صدر امرأة. الثورات الهائلة التي أجرت الدماء كالسواقي وجعلت الحرية تعبد كالآلهة كانت فكرًا خياليًا مرتعشاً بين تلافيف دماغ رجل، فرد عائش بين ألوف من الرجال. والحروب الموجعة التي ثلت العروش وخربت الممالك كانت خاطرًا يتمايل في رأس رجل واحد. والتعاليم السامية التي غيرت مسير الحياة البشرية كانت ميلًا شعريًاً في نفس رجل واحد منفصل بنبوغه عن محيطه. فكر واحد أقام الأهرام وعاطفة واحدة خربت تروداه، وخاطر واحد أوجد مجد الإسلام، وكلمة واحدة أحرقت مكتبة الإسكندرية.
- إن بهرجة الأعراس الشرقية تصعد بنفوس الفتيان والصبايا صعود النسر إلى ما وراء الغيوم ثم تهبط بهم هبوط حجر الرحى إلى أعماق اليم، بل هي مثل آثار الأقدام على رمال الشاطئ لا تلبث أن تمحوها الأمواج.
- أنتم أيها الناس تذكرون فجر الشبيبة فرحين باسترجاع رسومه، متأسفين على انقضائه، أما أنا فأذكره مثلما يذكر الحر المعتوق جدران سجنه وثقل قيوده.
- للكآبة أياد حريرية الملامس، قوية الأعصاب تقبض على القلوب وتؤلمها بالوحدة، فالوحدة حليفة الكآبة كما أنها أليفة كل حركة روحية.
- الأعمال التي نحاول اليوم إخفاءها في زاويا المنازل تتجسم غداً، وتنتصب في منعطفات الشوارع.
- إن الرجل يشتري المجد والعظمة والشهرة ولكن هي المرأة التي تدفع الثمن.
- إن المحبة المحدودة تطلب امتلاك المحبوب، أما المحبة غير المتناهية فلا تطلب غير ذاتها.
- إن حياة الانسان لا تبتدئ في الرحم كما أنها لا تنتهي أمام القبر، وهذا الفضاء الواسع المملوء بأشعة القمر والكواكب لا يخلو من الارواح المتعانقة بالمحبة والنفوس المتضامنة بالتفاهم.
- لقد علمت بأن الإنسان وإن ولد حراً يظل عبداً لقساوة الشرائع التي سنها آباؤه وأجداده، وأن القضاء الذي نتوهمه سرًا علويًا، لهو استسلام اليوم إلى مآتي الأمس، وخضوع الغد إلى أميال اليوم.
- الجمال الحقيقي هو أشعة تنبعث من قدس أقداس النفس وتنير خارج الجسد مثلما تنبثق الحياة من أعماق النواة وتكسب الزهرة لونًا وعطرًا.
- الفراشة التي تظل مرفرفة حول السراج حتى تحترق هي أسمى من الخلد الذي يعيش براحة وسلام في نفقه المظلم.
- رأيت هذه الانقلابات الموجعة في ملامح سلمى، رأيتها جميعها، ولكنها لم تكن في نظري إلا كسحابة رقيقة توشّح القمر فتزيد منظره حسنًا وهيبة، إن الملامح التي تُبيح أسرار الذات المعنوية تكسب الوجه جمالًا وملاحة مهما كانت تلك الأسرار موجعة وأليمة.
- والصبي الحساس الذي يشعر كثيراً ويعرف قليلاً هو أتعس المخلوقات أمام وجه الشمس لأن نفسه تظل واقفة بين قوتين هائلتين متباينتين: قوة خفية تحلق به إلى السحاب وتريه محاسن الكائنات من وراء ضباب الأحلام، وقوة ظاهرة تقيده بالأرض وتغمر بصيرته بالغبار وتتركه ضائعاً خائفاً في ظلمة حالكة.
- إن الشيوخ يرجعون بالفكر إلى أيام شبابهم رجوع الغريب المشتاق إلى مسقط رأسه، ويميلون إلى سرد حكايات الصبا ميل الشاعر إلى تنغيم أبلغ قصائده، فهم يعيشون بالروح في زوايا الماضي الغابر لأن الحاضر لا يمر بهم ولا يلتفت.
- هكذا تتغير الأشياء أمام أعيننا بتغير عواطفنا، وهكذا نتوهم الأشياء متشحة بالسحر والجمال عندما لا يكون السحر والجمال إلا في نفوسنا.
- من يصبر على الضيم ولا يتمرد على الظلم يكون حليف الباطل على الحق وشريك السفاحين بقتل الأبرياء.
- لا تدعوا كاهناً إلى جانب فراشي لأن تعازيمه لا تكفر عن ذنوبي إن كنت خاطئاً، ولا تسرع بي إلى الجنة إن كنت باراً، إن إرادة البشر لا تغير مشيئة الله، كما أن المنجمين لا يحولون مسار النجوم، أما بعد موتي فليفعل الأطباء والكهان ما شاءوا، فاللجة تنادي اللجّة أما السفينة فتظل سائرة حتى تبلغ الساحل.
- إن القلب بعواطفه المتشعبة يماثل الأرزة بأغصانها المتفرقة، فإذا ما فقدت شجرة الأرز غصنًا قويًا تتألم ولكنها لا تموت بل تحول قواها الحيوية إلى الغصن المجاور لينمو ويتعالى ويملأ بفروعه الغضة مكان الغصن المقطوع، هذا ما قالته والدتك يا سلمى عندما مات أبوها، وهذا ما يجب عليك أن تقوليه عندما يأخذ الموت جسدي إلى راحة القبر، وروحي إلى ظل الله.
- أَهَهُنا تُفرقنا سبل الحياة لتذهب بك إلى أمجاد الرجل وتسير بي إلى واجبات المرأة؟ أهكذا ينقضي الحلم الجميل وتندثر الحقيقة العذبة؟ أهكذا تبتلع اللُّجّة نغمة الشحرور وتنثر الرياح أوراق الوردة، وتسحق الأقدام كأس الخمر؟ أباطلًا أوقفتنا تلك الليلة أمام وجه القمر، وباطلًا ضَمّنا الروح في ظلال هذه الياسمينة؟ هل تسرَّعنا بالصعود نحو الكواكب فكلّت أجنحتنا وهبطت بنا إلى الهاوية؟ هل فاجأنا الحب نائمًا فاستيقظ غاضبًا ليعاقبنا؟ أم هيجت أنفاسنا نسمات الليل فانقلبت ريحًا شديدة لتمزِّقنا وتجرفنا كالغبار إلى أعماق الوادي؟ لم نخالف وصية ولم نذُق ثمرًا، فكيف نخرج من هذه الجنة؟! لم نتآمر ولم نتمرّد، فلماذا نهبط إلى الجحيم؟! لا لا وألف لا ولا. إن الدقائق التي جمعتنا هي أعظم من الأجيال، والشعاع الذي أنار نفسينا هو أقوى من الظلام، فإن فرقتنا العاصفة على وجه هذا البحر الغضوب، فالأمواج تجمعنا على ذلك الشاطئ الهادئ، وإن قتلتنا هذه الحياة فذاك الموت يحيينا.
- إن نفسك التي تسمع همس الأزهار وأغاني السكينة، تستطيع أن تسمع صراخ روحي وضجيج قلبي.
قد يهمكِ أيضًا: